حوارات وتحقيقات

“صدى للأنباء”تحاور المخرج مهند الطيب: السينما رسالتي.. والفن العراقي يحتاج إلى بيئة حقيقية

المخرج مهند الطيب: أؤمن بأن الإبداع ليس له حدود، وأرفض تكرار الفكرة حتى وإن حققت نجاحاً باهراً

حاورته: الإعلامية سجى اللامي

عندما نذكر الإخراج السينمائي في العراق، لا بد أن نتوقف عند أسماء شابة طموحة صنعت لنفسها مساراً مميزاً رغم كل التحديات ومن بين هؤلاء يبرز اسم المخرج “مهند الطيب” الذي استطاع أن يثبت بصمته بعمله المتفرد وأسلوبه الواقعي،الذي يعكس قضايا المجتمع بأسلوب فني راقٍ. لوكالة صدى للأنباء الدولية” فتح لنا المخرج والمنتج العراقي مهند الطيب قلبه، متحدثاً بصراحة وعمق عن مسيرته الحياتية والفنية، منذ البدايات الصعبة في مدينة الصدر، مروراً بمراحل التحول من العمل العسكري إلى الميدان الفني، وصولاً إلى تحقيق جوائز دولية وطرح مشاريع سينمائية جريئة. في هذا الحوار، نقترب من عوالمه الداخلية، ونسلط الضوء على آماله وتحدياته ورؤيته للسينما العراقية.

★ نود أن نتعرف أكثر على سيرتك الذاتية ومسيرتك الفنية والشخصية.. كيف كانت بداياتك في عالم السينما، وما هي العوامل التي ساهمت في تشكيل توجهاتك الفنية وأساليبك في العمل كمخرج وفنان ومنتج؟ وهل كان للبيئة التي نشأت فيها تأثير واضح على رؤيتك وأعمالك السينمائية؟

_أنا مهند غانم محيميد عبد الحسن السوداني، اسمي الفني “مهند الطيب”، من مواليد بغداد عام 1982، نشأت وتربيت في مدينة الصدر، تلك المدينة الشعبية التي تُعد واحدة من أهم روافد الإبداع في العراق، حيث خرج منها أبرز الأسماء في مجالات الفن والرياضة والسياسة والدين وسائر ميادين الحياة،كانت بدايتي بسيطة كأي شاب يحمل أحلاماً كبيرة كنت أطمح بإكمال دراستي والدخول إلى جامعة فنية مرموقة لأدرس السينما وأتخصص بها، لكن الظروف السياسية والأمنية آنذاك وقفت عائقاً أمام تحقيق هذا الحلم،في فترة النظام البائد، تعرضت للاعتقال بسبب انتماء عائلتي لخط ديني معين، وكنت حينها رادوداً حسينياً وتعرضت للأذى من قبل النظام. بعدها التحقت بالخدمة العسكرية الإلزامية في سن مبكرة،مرت السنوات وسقط النظام، لكن العراق دخل مرحلة صعبة ومعقدة حالت دون استكمال دراستي الفنية ورغم ذلك، بقي عشقي للوطن والفن نابضاً بداخلي واصلت مشواري مع السلك العسكري، إذ التحقت بالحرس الوطني العراقي حتى عام 2009، حين أدركت أن هذا الطريق يبتعد بي عن أحلامي وطموحاتي الفنية.
لاحقاً، وبفعل الظروف الأمنية وظهور خطر داعش، عملت مع الأجهزة الأمنية، لكن هذه المرة بصفتي إعلامياً ومرافقاً إعلامياً لتغطية الأحداث والعمليات العسكرية، حتى إعلان النصر على داعش في عام 2017.
منذ إعلان النصر وحتى اليوم، كرّست حياتي للفن والعمل السينمائي، وأسست شركتي الخاصة، وأعمل باستقلالية تامة بعيداً عن أي انتماء حزبي أو حكومي. أنتمي فقط لأفكاري ومبادئي، وأؤمن بأن الفن الحقيقي قادر على تغيير واقع الإنسان والمجتمع، وصناعة الوعي والجمال حتى وسط هذا الخراب. هذا هو إيماني، وهذه هي رسالتي.

★كيف كانت بدايتك في عالم الإخراج السينمائي والتمثيل؟ وما الذي دفعك لاختيار هذا المجال الإبداعي؟

_بدايتي كانت من بوابة الإنتاج، حيث عملت كمدير إنتاج لعدة أعمال، ومع مرور الوقت اكتشفت أن لدي الأدوات والقدرات التي تؤهلني للإخراج. أخرجت أول فيديو كليب عام 2018 للفنانة أحلام ديب بعنوان “سأبقى أقاوم”، وقد تم تصويره في سوريا. منذ الطفولة، كان حلمي أن أكون من بين صناع النجومية في العراق، وأسعى من خلال كل عمل إلى إحداث تغيير حقيقي في حركة الفن العراقي.

★كيف تصف أسلوبك الإخراجي؟ وهل تأثرت بمخرجين معينين؟

_لكل مخرج بصمته الخاصة، والتأثر بالمبدعين أمر ضروري لتطوير الأدوات والأسلوب، لكنني أعتبر نفسي صاحب أسلوب خاص ولم أتأثر مباشرة بأي مخرج معين.

★ما أبرز التحديات التي تواجهها أثناء الإخراج؟

_التحديات الحقيقية لا تكمن في الإخراج بحد ذاته، بل غالباً ما تكون في الإنتاج، سواء من حيث الميزانية أو ظروف التصوير. أما الإخراج، فهو أدوات وفكر، والمخرج يتعامل مع المشهد بحسب إمكانياته، وقد يخطئ أحياناً ويصيب أحياناً أخرى.

★ كيف تختار النصوص التي تعمل عليها؟

_غالبية نصوص أعمالي من كتابتي الشخصية، حيث أبدأ من فكرة نابعة من احتياج العمل، ثم أحولها إلى نص مكتوب، وبعدها أترجم النص إلى صورة بصرية تعبّر عن رؤيتي الفنية.

★ما الفيلم الأقرب إلى قلبك ولماذا؟

_فيلم “عودة الروح” هو الأقرب إلى قلبي، لأنه مبني على قصة حقيقية رأيتها بعيني أثناء الحرب، حين شاهدت جثث أطفال تحت الأنقاض. هذا المشهد الصادم كان الدافع لكتابة وإخراج هذا العمل.

★ كيف ترى تطور السينما في العراق؟ وهل هناك دعم كافٍ؟

_بصراحة لا أرى أن هناك تطوراً حقيقياً في السينما العراقية، ولا يوجد دعم فعلي لصناعة الأفلام كل المحاولات فردية ومحدودة، والصناعة السينمائية كغيرها من القطاعات في العراق تعاني من التعطيل والإهمال.

★كيف تتعامل مع اختلاف وجهات النظر داخل فريق العمل؟

_أحترم جميع الآراء داخل الفريق، لكن الكلمة الأخيرة تعود لصاحب القرار الذي يرى مصلحة العمل من جميع الزوايا. لكل عمل جمهوره، وأسلوبه الذي يجب احترامه.

★ما رأيك في تأثير التكنولوجيا والتقنيات الحديثة على السينما؟

_التكنولوجيا أصبحت جزءاً لا يتجزأ من الصناعة السينمائية، ولها تأثير مباشر على جودة الصورة والإنتاج، لذا على كل مخرج أن يواكب هذا التطور باستمرار.

★ هل تفضل العمل بأفلام ذات ميزانيات كبيرة أم الإنتاج المستقل؟
_بالتأكيد أفضّل العمل بميزانيات كبيرة، لأنها تمنحني حرية الإبداع والتنفيذ دون عوائق إنتاجية. لكن للأسف، في العراق لا توجد مؤسسات حقيقية داعمة للسينما، وكل ما هو موجود من دعم لا يفي بالغرض.

★ كيف تحضّر نفسك للأدوار التمثيلية؟
_أقوم بدراسة الشخصية من الداخل، وأتعرّف على بيئتها وخلفيتها، وأحاول الاختلاط بها ذهنياً، وأعيش تفاصيلها حتى أكون قريباً منها في الأداء.

★ ما العمل الذي كان نقطة تحول في مسيرتك؟
_عمل “الساتر الغربي”، حيث كنت الكاتب، والمنتج، والمشرف، وأحد الممثلين فيه. هذا العمل شكّل نقلة كبيرة لي على الصعيدين الفني والشخصي.

★ كيف تتعامل مع النقد؟

_أتعامل مع النقد بواقعية وشفافية، فهو سلاح ذو حدين. لكنه في بعض الأحيان قد يؤثر ليس فقط على الخيارات الفنية، بل حتى على العلاقات داخل الوسط الفني، خصوصاً إذا كان النقد صريحاً وغير مجامل.

★ هل تطمح للعمل في السينما العالمية؟
_بالتأكيد، لكن واقع السينما العراقية المحلي وضع أمامنا الكثير من العقبات. ومع ذلك، هناك محاولات لفتح نوافذ جديدة قد تتيح لنا المشاركة في مشاريع سينمائية عالمية مستقبلاً.

★ هل تفضل العمل السينمائي أم الدراما التلفزيونية؟

_أفضل السينما، لأنها تمنحني حرية أكبر في التعبير الفني، بعكس التلفزيون الذي يفرض قيوداً وضوابط تحدّ أحياناً من حرية المخرج أو الكاتب.

★ما أصعب موقف تعرضت له أثناء التصوير؟
_أثناء تصوير أحد مشاهد مسلسل “الساتر الغربي”، كنا نصور ليلاً في منطقة محررة من داعش، فخرج علينا رجل مسلح ظناً منه أن داعش قد عاد، واضطررنا لتهدئته وإقناعه بأننا نصور عملاً فنياً، حتى تمكّنا من استكمال التصوير بأمان.

★كيف كانت تجربتك الأولى في المهرجانات السينمائية؟

_كانت مشاركتي الأولى في مهرجان واسط السينمائي الدولي، وحصدت فيه جائزتين: أفضل مخرج وأفضل فيلم متكامل. منحتني هذه الجوائز ثقة كبيرة ودفعة للاستمرار، ثم مثّلت العراق في مهرجان قرطاج السينمائي عام 2019، كأول مشارك عراقي في هذا المهرجان العريق.

★ ما نصيحتك للمخرجين الشباب؟
_أنصحهم بالاعتماد على أنفسهم، والابتعاد عن انتظار الدعم الحكومي أو دعم الشركات، فالحقيقة أنه لا يوجد داعم حقيقي، عليهم أن يتكاتفوا ويصنعوا مشاريعهم المستقلة، ويثبتوا أنفسهم بإمكانياتهم الخاصة.

★ في ختام هذا الحوار هل هناك كلمة تود أن توجهها للقراء ولوكالة صدى للأنباء الدولية؟

_كل الشكر والتقدير لوكالة صدى للأنباء، وللإعلامية المبدعة سجى اللامي على هذا اللقاء المهني والإنساني لقد كانت الأسئلة بمستوى عالٍ من الوعي والاهتمام، مما أتاح لي فرصة للحديث بشفافية عن مسيرتي وهمومي وطموحاتي في عالم السينما،أتمنى أن يصل صوتي عبر هذا المنبر إلى من يؤمنون بالفن كرسالة، وإلى من يستطيعون أن يخلقوا بيئة حقيقية تُنصف المبدعين.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
آخر الأخبار