مقالات

في يوم المرأة العالمي.. المرأة الجنوبية: قلب العاصفة وصانعة التاريخ

بقلم: الإعلامية رباب تقي

تحتفل نساء العالم بيوم المرأة العالمي في الثامن من آذار/مارس من كل عام، يومٌ يرمز إلى النضال المستمر من أجل الحقوق والمساواة والعدالة. لكنه ليس مجرد مناسبة رمزية، بل هو محطة لتجديد العهد مع قضايا النساء، خصوصاً في المجتمعات التي تعيش تحت وطأة الحروب والصراعات، حيث تكون المرأة أول من يدفع الثمن، لكنها في الوقت نفسه، تكون أول من ينهض ليعيد التوازن للحياة.

وفي جنوب لبنان، حيث حملت النساء على أكتافهن وزر المقاومة والصمود، لا يمكن الحديث عن هذا اليوم دون التوقف عند التضحيات الهائلة التي قدّمتها المرأة الجنوبية، سواء كانت أماً، زوجةً، ابنةً أو طفلة. لقد واجهت الحرب الأخيرة بصلابة عزّ نظيرها، فمنهن من ودّعن أبناءهن الشهداء وأزواجهنّ وآبائهن، ومنهن من حملن الألم بقلوبٍ عامرة بالإيمان والعقيدة، ومنهن من تحمّلن مرارة التهجير والدمار، لكن دون أن ينكسرن.

لطالما كانت نساء جنوب لبنان شريكات في النضال والمقاومة. فالأم الجنوبية لم تكن مجرد راعية للأسرة، بل كانت مدرسة في الصبر والقوة. هي من ربّت الأجيال التي وقفت في وجه الاحتلال، وهي من زفّت أبناءها إلى المعركة دون أن ينكسر لها ظهر. في الحرب الأخيرة، رأينا أمهات يودعن أبناءهن بعيون دامعة، لكنهن وقفن شامخات، مؤمنات بأن التضحية طريق الكرامة.

أما الزوجة، فكانت صخرةً في وجه العاصفة. عندما كان الرجال في ساحات القتال، كانت النساء في خطوط الدفاع الخلفية، يؤمنّ الدعم، ويعتنين بالجرحى، ويحمين الأطفال وسط القصف والدمار. يرفعن أيديهن للسماء، يتسلّن بالصبر والإرادة ودروس أهل البيت عليهم السلام. الزوجة الجنوبية لم تكن مجرد رفيقة درب، بل كانت سنداً حقيقياً، تفهم معنى الفداء وتدفع ضريبته بروحٍ صابرة.

والطفلة الجنوبية ليست بعيدة عن هذا المشهد. كم من فتاة صغيرة تحمّلت آلام الحرب، كم من طفلة فقدت والدها أو أخيها أو بيتها لكنها لم تفقد العزيمة؟ رأينا الفتيات الجنوبيات يقفن شامخات رغم الدمار، يحملن كتبهن وسط الأنقاض، ويواصلن الحياة بإصرار يُدرَّس في كتب التاريخ. يفخرن بآبائهم وأشقائهم لنيلهم شرف الشهادة وعزّ الإصابة..

المرأة الجنوبية وخصوصاً ابنة المناطق الحدودية، هي التي تقف بوجه ترسانة العدو بكل شجاعة. وعي التي تحضّر مائدة الإفطار بكل حب على أنقاض منزلها المهدّم. هي التي تملك من الأمل الكثير، الأمل الذي يبني الحياة من جديد رغم الجراح. هي صاحبة الصوت والثبات والكلمة المقاومة المتمسكة بأرضها.

لم يكن دور المرأة الجنوبية مقتصراً على ميادين الصبر والتضحية فقط، بل امتد إلى ساحات البناء والتطوير. ففي كل مرحلة تلي الحرب، تقف النساء الجنوبيات على خط الدفاع الأول عن الحياة، فيسهمن في إعادة إعمار القرى التي طالها الدمار، ويكنّ عصباً أساسياً في استعادة المجتمع لعافيته. من بين الركام، يعدن بناء البيوت والمدارس، ويغرسن الأمل في قلوب الأطفال الذين خبروا معنى الحرب في سنوات عمرهم الأولى.

وفي الميادين العلمية والثقافية، أثبتت المرأة الجنوبية أنها قادرة على تجاوز العقبات، فكانت المعلمة التي تصرّ على تعليم الأجيال رغم الظروف القاسية، وكانت الطبيبة التي تداوي الجرحى وسط الإمكانيات المحدودة، وكانت الإعلامية التي تنقل الحقيقة بصوت جريء رغم المخاطر. لم تكن المرأة الجنوبية مجرد شاهدة على التاريخ، بل كانت صانعته، فحملت القلم كما حملت البندقية، وواجهت الطغيان بالكلمة كما واجهته بالإرادة والصبر.

اليوم، ومع استمرار الأزمات الاقتصادية والسياسية التي تعصف بالبلاد، تواجه المرأة الجنوبية تحديات جديدة، لكنها كما عهدناها، تواصل نضالها في كل الميادين.

وفي يوم المرأة العالمي، لا يكفي الاحتفاء بصمود المرأة الجنوبية، بل لا بد من تحويل هذا التقدير إلى خطوات عملية تضمن تمكينها وتعزيز دورها في المجتمع. فدعم المرأة ليس مجرد شعار، بل مسؤولية تقع على عاتق الجميع، ليبقى الجنوب بفضلها حصناً للمقاومة، ومنارةً للكرامة، ونموذجاً في العطاء الذي لا يعرف حدوداً.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
آخر الأخبار