الحدود الموعودة: من غزة إلى الإسكندرية «مجرد أوهام»

ديمه الفاعوري
تعقيباً على المقال الذي نشرته صحيفة «هآرتس» العبرية للكاتب الإسرائيلي ب. ميخائيل، والذي تناول فيه الأيدولوجية التوسعية للاحتلال الإسرائيلي، يبرز سؤال جوهري حول الطموحات الإسرائيلية التي لا تعترف بالحدود أو الجغرافيا وتسعى للتوسع على حساب الحقوق الفلسطينية والعربية.
حيث إن المقال يسلط الضوء على أفكار خطيرة تسعى لتوسيع الأراضي الإسرائيلية لتشمل حدوداً تمتد من غزة إلى الإسكندرية، وهو ما يعد تجاوزاً ليس فقط للحدود السياسية والتاريخية، بل أيضاً للثوابت الدينية التي يروج لها البعض في إسرائيل.
فكرة التوسع تلك تعتمد على موروث ديني مغلوط يتمسك به البعض داخل الدوائر السياسية الإسرائيلية، والذي يعتقدون بموجبه أن حدود «إسرائيل الكبرى» تمتد إلى مصر، ليتجاوز الحلم الإسرائيلي حدود فلسطين إلى الإسكندرية، وهذا التصور لا يعدو كونه جزءاً من خرافات دينية تعكس رغبات استعمارية تتجاوز المنطق السياسي والجغرافي، ولا يمكن أن تؤدي إلا إلى مزيد من التوترات في المنطقة.
ومن خلال هذا التصور، يعكف بعض الشخصيات المتشددة مثل بن غفير وستروك على ترويج فكرة الترانسفير، التي تستهدف الفلسطينيين من غزة كما يستهدف البعض تهجيرهم إلى مناطق أخرى خارج حدود المنطقة، لكن يبقى السؤال الأهم: هل هذا التوسيع الذي يروج له البعض قابل للتحقق؟ الإجابة ببساطة هي لا. فحتى في حال تم تهجير الفلسطينيين من غزة، وهو السيناريو الذي يعد مستحيلاً، فلا أحد يتصور أن الاحتلال الإسرائيلي سيستطيع تملك القطاع فعلياً، بدلاً من ذلك، ستبقى الأرض الفلسطينية في يد اليمين الإسرائيلي المتطرف، وستزداد المستوطنات والتجاوزات على الأرض.
وفي خضم هذه الفوضى، تظل الأسطورة الإسرائيلية التي تتحدث عن «الحدود الموعودة» محض خرافة دينية، تهدف إلى دمج الطموحات القومية مع الهوية المسيحية الصهيونية التي يروج لها بعض الشخصيات في إسرائيل، والحدود التي يحلم بها الاحتلال والتي تمتد من نهر الفرات إلى الإسكندرية، ليست سوى «وهم» يعكس طموحات استعمارية فاشية مبنية على أساطير دينية وغزو أراضٍ تتجاوز حدود العقل والمنطق.
ومن الواضح أن محاولات توسيع الاحتلال الإسرائيلي تتناقض مع الواقع الجغرافي والديموغرافي للمنطقة، فحتى إذا كانت هناك أحلام بعيدة عن الواقع بمغادرة الفلسطينيين وتغيير الديموغرافيا، فإن النتيجة النهائية ستكون تصعيداً خطيراً للعنف في المنطقة، من هنا فإن المجتمع الدولي مطالب اليوم بالوقوف ضد هذه الأوهام، التي تسعى لتحويل أرض الفلسطينيين إلى ملعب للتجارب السياسية الفاشلة.
وفي هذا السياق، يطرح الكاتب فكرة مثيرة للنقاش حول بديل يمكن أن يسهم في حل جزء من هذه المشكلة، لماذا لا يتم تهجير المستوطنين إلى الولايات المتحدة، وتحديداً إلى أريزونا؟ في الظاهر، قد تبدو هذه الفكرة غير واقعية، ولكنها في جوهرها تحاول إيجاد مخرج يعفي إسرائيل من عبء المستوطنين الذين يساهمون في إشعال الصراع الداخلي والخارجي على حد سواء، وفي هذه الحالة، قد تساهم هذه الفكرة في تهدئة الوضع في الأراضي المحتلة وتخفيف التوترات، من وجهة نظره التي يحاول ايصالها في مقاله.
يبقى التساؤل الأهم: هل ستنجح إسرائيل في تحقيق هذه الطموحات التوسعية رغم موجة الرفض العربية والدولية والتي كان أبرزها موقف جلالة الملك عبدالله الثاني ابن الحسين والتي قالها وبكل شجاعة خلال لقائه ترامب بأنه لن يسمح بتهجير الشعب الفلسطيني من أرضه ونقله الى مكان آخر مؤكدًا حق الشعب الفلسطيني بالحفاظ على ترابه الوطني وإقامة دولته المشروعة. كما يبرز سؤال آخر هل سينجح المجتمع الدولي في الوقوف أمام وجه هذه الأوهام وينتصر ولو لمرة للعرب وللفلسطينيين في الحفاظ على أرضهم المشروعة، أم لا؟ لا شك أن أي محاولة لتوسع الاحتلال على حساب أرواح الشعوب وأراضيها ستؤدي إلى مزيد من الدمار، ولن تحصد إسرائيل من وراء هذه التوسعات سوى المزيد من الصراع والعنف الذي سيستمر لعقود قادمة ..