مقالات

هل ستتحقق أحلام ترامب في تحويل غزة من منطقة منكوبة الى إلى مشروع تجاري

ديمه الفاعوري

منذ وصوله إلى سدة الحكم، أثار الرئيس الأمريكي دونالد ترامب العديد من الجدل بسبب توجهاته السياسية في منطقة الشرق الأوسط، وأحد أبرز هذه التوجهات هو اختياره قطاع غزة لتطويره وتحويله إلى “ريفييرا الشرق الأوسط”. في سابقة قد تكون غير مألوفة في تاريخ السياسات الأمريكية، يتطلع ترامب إلى تحويل غزة إلى وجهة اقتصادية وتجارية، مما يعكس تغييرًا جذريًا في أهداف السياسة الأمريكية في المنطقة. ولكن ما هو السر وراء هذا التوجه المفاجئ من ترامب؟ ولماذا غزة في هذا التوقيت بالذات؟

في السابق، كانت أطماع ترامب تتجه بشكل كبير نحو العراق، حيث كان يسعى إلى السيطرة على احتياطيات النفط والتوسع في مصالح بلاده الاقتصادية. لكن مع بداية حملته الانتخابية الأخيرة، يبدو أن ترامب قد غيّر بوصلته صوب غزة، التي لا تعاني فقط من فقر اقتصادي وانعدام استقرار سياسي بل تمتاز بموقعها الاستراتيجي على البحر الأبيض المتوسط، ما يفتح لها آفاقًا تجارية ضخمة. لماذا إذن اختار ترامب غزة؟

الجواب يكمن في استراتيجية ترامب التي تهدف إلى تحويل غزة إلى مركز تجاري ضخم، يتم من خلاله تحقيق عدة أهداف اقتصادية وسياسية. أولاً، يسعى ترامب إلى إعادة إعمار غزة وتطويرها لتصبح منطقة مزدهرة. فإذا تحقق هذا الحلم، قد يصبح قطاع غزة بمثابة نقطة جذب للاستثمارات التجارية الدولية، مما يساهم في تعزيز الاقتصاد الإقليمي في المنطقة. وبالموازاة مع ذلك، يمكن أن يعزز موقع غزة على البحر الأبيض المتوسط فرصها في التجارة البحرية والنقل.

ثانيًا، وبالإضافة إلى الوعود الاقتصادية، يعتقد ترامب أن هذه الخطة قد تساعد في تخفيف الضغط على الدول المجاورة مثل مصر والأردن. فمن خلال نقل جزء من سكان غزة إلى هذه الدول، يأمل ترامب أن يتم تقليل العبء السكاني والاقتصادي الذي تعاني منه تلك البلدان، والتي غالبًا ما تواجه تحديات في توفير الموارد والفرص للمواطنين. لكن يبقى السؤال الأهم: كيف ستستجيب هذه الدول؟ خاصة وان جلالة الملك عبدالله الثاني بن الحسين -حفظه الله ورعاه- أعلن موقفه الرافض لمشاريع ترامب بما يتعلق بتهجير الفلسطينيين في غزة وسلب الشعب الفلسطيني حقه الشرعي في بناء دولته على ارضه وترابه الوطني، والتي تتمثل في: «لا للتوطين: رفض أي محاولات لتوطين الفلسطينيين خارج أرضهم، لا للوطن البديل: والتأكيد على أن الأردن ليس بديلاً عن فلسطين، لا للتنازل عن القدس: التشديد على أن القدس الشرقية هي عاصمة الدولة الفلسطينية» كما اعلنت مصر موقفه حين أكد الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي رفضه القاطع لفكرة نقل سكان غزة إلى مصر، وهو موقف يعكس الرفض العربي الواسع لهذه الخطة.

من جانب آخر، يمكن أن تكون خطة ترامب جزءًا من مساعيه لتوسيع النفوذ الأمريكي في المنطقة. فمن خلال تولي الولايات المتحدة مسؤولية إعادة إعمار غزة، يمكن لواشنطن أن تعزز دورها كقوة مؤثرة في الشرق الأوسط، وهو ما سيساعدها على تقديم نفسها كراعٍ رئيسي للسلام والاستقرار في المنطقة. كما يمكن أن تحقق هذه الخطوة مكاسب سياسية لترامب داخليًا، حيث تظهره كرجل قادر على إيجاد حلول جذرية للأزمات المعقدة.

ومع ذلك، تواجه الخطة العديد من التحديات، والتي قد تعيق تنفيذها. فبداية، هناك معارضة واسعة من دول المنطقة والشعوب العربية التي تعتبر أن مثل هذه المبادرة تشكل تدخلاً سافرًا في الشؤون الداخلية الفلسطينية والعربية. فقد اعتبرت حركة حماس الخطة بمثابة “دعوة للتطهير العرقي” بسبب نقل السكان من غزة إلى دول أخرى، وهو ما يعزز الخلافات حول حقوق الفلسطينيين.

بالإضافة إلى ذلك، تثير الخطة مخاوف بشأن الاستقرار الأمني في المنطقة. من المعروف أن غزة تشهد توترات سياسية وأمنية مستمرة، في ظل الصراع بين الفصائل الفلسطينية، بالإضافة إلى التوترات مع الاحتلال الإسرائيلي. عملية نقل أعداد ضخمة من السكان قد تكون معقدة من الناحية الإنسانية وتتطلب تنسيقًا دقيقًا لضمان حقوق هؤلاء السكان وضمان توفير ظروف حياة ملائمة لهم في دول المجاورة.

وفي ظل هذه التحديات، يتبقى السؤال الأهم: هل ستتحقق أحلام ترامب في تحويل غزة إلى “ريفييرا الشرق الأوسط”؟ من غير المؤكد أن هذه الخطة ستنجح في ظل المعارضة الدولية والمحلية. بل إن الواقع قد يظهر أن التحديات الميدانية والسياسية قد تحول دون تنفيذ هذه الخطة الطموحة. ومع ذلك، لا يمكن إنكار أن المشروع يكشف عن توجهات جديدة في السياسة الأمريكية قد تكون لها تداعيات بعيدة المدى على المنطقة.

تظل خطة ترامب بشأن غزة تعبيرًا عن طموحات سياسية واقتصادية في أحلامه فقط ، كما أنها في الوقت ذاته تثير الكثير من التساؤلات حول جدواها ومدى تأثيرها على مستقبل المنطقة. وبينما يترقب العالم ما ستؤول إليه هذه الخطة، يتعين على جميع الأطراف المعنية أن تأخذ في الحسبان العواقب المحتملة لهذه التحولات .

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
آخر الأخبار